زواج المتعة في المغرب بين الدين والتقاليد والقانون.

      زواج المتعة في المغرب هو موضوع معقد ومثير للجدل يعكس تداخلًا بين التقاليد الدينية والاجتماعية والقانونية. لفهم زواج المتعة في السياق المغربي، من المهم أن نتطرق إلى الأبعاد الدينية، الاجتماعية، والتاريخية لهذا الزواج، وكذلك الموقف القانوني تجاهه في المغرب.

ما هو زواج المتعة؟

زواج المتعة هو نوع من الزواج الذي يُعد مؤقتًا، حيث يتم تحديد مدة محددة للزواج تنتهي بعدها العلاقة الزوجية تلقائيًا. عادة ما يكون هذا النوع من الزواج مقبولاً في بعض المذاهب الإسلامية، ولا سيما المذهب الشيعي. يعتبر زواج المتعة عقدًا قائمًا على اتفاق بين الرجل والمرأة، وله شروط واضحة تتعلق بالمدة والمهر، ولكن الاختلاف الرئيسي عن الزواج التقليدي هو أن نهاية الزواج تكون تلقائية بانتهاء الفترة المتفق عليها مسبقًا.

 

الأساس الديني لزواج المتعة

 

زواج المتعة يستند إلى النصوص الدينية والتاريخية، حيث يُعتقد أن هذا النوع من الزواج كان ممارسًا في صدر الإسلام، ولكن هناك خلاف حول شرعيته واستمراره. في المذهب الشيعي، يُعتبر زواج المتعة ممارسة شرعية ومقبولة، وهو يعتمد على تفسير معين لآيات قرآنية، مثل الآية التي وردت في سورة النساء: “فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً” (النساء: 24). يعتمد المذهب الشيعي على هذا النص كدليل على شرعية زواج المتعة.

 

على النقيض من ذلك، في المذهب السني، يُعتبر زواج المتعة غير مشروع، حيث يُقال إن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد أجاز زواج المتعة في فترة معينة ولكن تم إلغاؤه لاحقًا بعد استقرار المجتمع الإسلامي. وبالتالي، فإن زواج المتعة محرم في الفقه السني، الذي هو المذهب السائد في المغرب.

 

موقف القانون المغربي من زواج المتعة

 

في المغرب، يستند القانون إلى الفقه المالكي السني، والذي يحرم زواج المتعة بشكل قاطع. ينص قانون الأحوال الشخصية المغربي، المعروف باسم **مدونة الأسرة**، على أن الزواج يجب أن يكون دائمًا ومؤسسًا على نية الاستمرارية، ولا يُقبل الزواج المؤقت أو المحدد بمدة. المادة 4 من مدونة الأسرة المغربية تنص بوضوح على أن “الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين.”

 

بالتالي، يُعتبر زواج المتعة في المغرب غير قانوني وغير معترف به رسميًا، ويُعتبر مثل هذا الزواج باطلاً أمام القانون المغربي. هذا يتماشى مع التوجه العام في معظم البلدان التي تتبع الفقه السني، حيث يتم رفض زواج المتعة لأنه يُعد نوعًا من العلاقات غير المستقرة ولا يحقق الأهداف التي يُراد من الزواج تحقيقها.

 

التوجه الاجتماعي نحو زواج المتعة

 

من الناحية الاجتماعية، يُنظر إلى زواج المتعة في المغرب بنظرة سلبية للغاية. حيث يعتبر المغاربة، سواء كانوا ملتزمين دينياً أو من المجتمع العلماني، أن الزواج يجب أن يكون قائمًا على الاستقرار والدوام، وليس على الاتفاقات المؤقتة. يُعتبر زواج المتعة بمثابة علاقة غير مشروعة، تشبه إلى حد ما “الزنا المقنن” في نظر الكثيرين.

 

الثقافة المغربية، مثلها مثل العديد من الثقافات الإسلامية التقليدية، تُعلي من قيمة الأسرة والزواج الدائم، وتعتبر أن الزواج هو وسيلة لإقامة أسرة مستقرة تحمي حقوق المرأة والأطفال، وتضمن العفة والإخلاص بين الزوجين. في هذا السياق، يبدو أن زواج المتعة يتناقض مع المبادئ الاجتماعية التقليدية التي يقدسها المجتمع المغربي.

 

إضافة إلى ذلك، يُعتبر المجتمع المغربي محافظًا في نظرته للعلاقات بين الرجل والمرأة، حيث لا تُقبل العلاقات المؤقتة أو غير المشروعة بشكل عام. ولذا، فإن فكرة زواج المتعة لا تجد قبولاً كبيرًا في المجتمع المغربي، حتى وإن كانت هذه الممارسة موجودة في بعض المجتمعات الشيعية القريبة.

 

تأثير زواج المتعة على المرأة

 

من أبرز الجوانب التي يتم مناقشتها حول زواج المتعة هو تأثيره على المرأة. المدافعون عن زواج المتعة يرون أنه يوفر فرصة للمرأة للحصول على حماية قانونية وشرعية لعلاقة مؤقتة، ويضمن لها حقوقًا مالية (المهر). لكن المنتقدين يشيرون إلى أن هذا النوع من الزواج قد يستغل المرأة ويقلل من شأنها، حيث يمكن أن يُنظر إليها على أنها مجرد وسيلة مؤقتة لإشباع الرغبات الجنسية.

 

في السياق المغربي، يُعتبر أن زواج المتعة ينتقص من كرامة المرأة، لأن الزواج المؤقت لا يمنحها الأمان والاستقرار الذي توفره العلاقة الزوجية التقليدية. إضافة إلى ذلك، يُخشى أن يؤدي هذا النوع من الزواج إلى تفكيك النسيج الاجتماعي والأسري، حيث لا توجد نية لبناء علاقة طويلة الأمد، مما يؤثر سلبًا على الأطفال الذين قد يولدون من مثل هذه العلاقات.

 

التحولات الحديثة والنقاشات حول زواج المتعة

 

رغم أن زواج المتعة يُعتبر محظورًا في المغرب، إلا أن النقاش حول العلاقات غير التقليدية بدأ يبرز بشكل أكبر مع تحولات العصر الحديث. مع العولمة والانفتاح على الثقافات الأخرى، بات هناك مزيد من النقاش حول الحقوق الشخصية والحريات، بما في ذلك الحقوق الجنسية والعلاقات بين الجنسين.

 

بعض الأصوات في المغرب بدأت تطالب بمزيد من الانفتاح في مناقشة العلاقات الشخصية، حتى وإن كانت هذه الأصوات ما زالت هامشية. يجادل البعض بأن العلاقات غير التقليدية يجب أن يتم التعامل معها بمزيد من التفهم، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد. ومع ذلك، لا يزال المجتمع المغربي متحفظًا إلى حد كبير في ما يتعلق بتقبل أي نوع من العلاقات التي لا تتماشى مع الزواج التقليدي.

 

الخلاصة

 

زواج المتعة في المغرب يعتبر ظاهرة غير قانونية وغير مقبولة اجتماعيًا، وتتناقض مع المبادئ الدينية والفقهية المعتمدة في البلاد. بينما يستند زواج المتعة إلى ممارسات تاريخية ودينية محددة في بعض المجتمعات الإسلامية، إلا أنه يُعد محظورًا في الفقه المالكي السني الذي يعتمد عليه القانون المغربي.

 

من الناحية الاجتماعية، يُنظر إلى زواج المتعة على أنه تهديد للاستقرار الأسري والمجتمعي، ولا يحظى بتأييد يُذكر داخل المجتمع المغربي. على الرغم من أن بعض النقاشات الحديثة قد تحاول إعادة النظر في هذا النوع من العلاقات، فإن زواج المتعة لا يزال يُعتبر غير شرعي وغير مقبول سواء قانونيًا أو اجتماعيًا في المغرب.